سورة سبأ - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


هذا إعلام من الله تعالى بأنه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع العالم، والكافة الجمع الأكمل من الناس، و{كافة} نصب على الحال وقدمها للاهتمام، وهذه إحدى الخصال التي خص بها محمد صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء التي حصرها في قوله «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأوتيت جوامع الكلم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وبعث كل نبي إلى خاص من الناس وبعثت إلى الأسود والأحمر»، وفي هذه الخصال زيادة في كتاب مسلم، وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يريد بها العموم في الكفرة، والمؤمنون هم الأقل، ثم حكى عنهم مقالتهم في الهزء بأمر البعث واستعجالهم على معنى التكذيب بقولهم {متى هذا الوعد} فأمر الله تعالى نبيه أن يخبرهم عن {ميعاد} هو يوم القيامة لا يتأخر عنه أحد ولا يتقدمه، قال أبو عبيدة: الوعد والوعيد والميعاد بمعنى واحد، وخولف في هذا، والذي عليه الناس أن الوعد في الخير، والوعيد في المكروه والميعاد يقع لهذا ولهذا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأضاف الميعاد إلى اليوم تجوزاً من حيث كان فيه وتحتمل الآية أن يكون استعجال الكفرة لعذاب الدنيا ويكون الجواب عن ذلك أيضاً ولم يجر للقيامة ذكر على هذا التأويل.


حكيت في هذه الآية مقالة قالها بعض قريش وهي أنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بما بين يديه من التوراة والإنجيل والزبور فكأنهم كذبوا بجميع كتب الله وإنما فعلوا هذا لما وقع الاحتجاج عليهم بما في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقالت فرقة: الذي بين يديه هي الساعة والقيامة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا خطأ قائله لم يفهم أمر بين اليد في اللغة وأنه المتقدم في الزمان وقد بيناه فيما تقدم، ثم أخبر الله تعالى نبيه عن حالة الظالمين في صيغة التعجيب من حالهم، وجواب {لو} محذوف، وقوله {يرجع بعضهم إلى بعض القول} أي يرد، أي يتحاورون ويتجادلون، ثم فسر ذلك الجدل بأن الأتباع والضعفاء من الكفرة يقولون للكفار وللرؤوس على جهة التذنيب والتوبيخ ورد اللائمة عليهم {لولا أنتم} لآمنا نحن واهتدينا، أي أنتم أغويتمونا وأمرتمونا بالكفر، فقال لهم الرؤساء على جهة التقرير والتكذيب {أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين} أي دخلتم في الكفر ببصائركم، وأجرمتم بنظر منكم، ودعوتنا لم تكن ضربة لازب عليكم لأنا دعوناكم بغير حجة ولا برهان.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا كله يتضمنه اللفظ.


هذه مراجعة من الأتباع للرؤساء حين قالو لهم: إنما كفرتم ببصائر أنفسكم قال المستضعفون بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والدوام، وهذه الإضافة كما قالوا ليل نائم ونهار صائم، وأنشد سيبويه فنام ليلي وتجلى همي، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ قتادة بن دعامة {بل مكرٌ الليلَ والنهارَ} بتنوين مكرٌ ونصب الليلَ والنهارَ على الظرف، وقرأ سعيد بن جبير {بل مكَرّ} بفتح الكاف وشد الراء من كر يكر وبالإضافة إلى {الليل والنهار} وذكر عن يحيى بن يعمر وكأن معنى هذه الآية الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله، والند المثيل والشبيه، والضمير في قوله {أسروا} عام جميع ما تقدم ذكره من المستضعفين والمستكبرين، {أسروا} معناه اعتقدوها في نفوسهم، ومعتقدات النفس كلها سر لا يعقل غير ذلك، وإنما يظهر ما يصدر عنها من كلام أو قرينة، وقال بعض الناس {أسروا} معناه أظهروا وهي من الأضداد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا كلام من لم يعتبر المعنى أما نفس الندامة فلا تكون إلا مستسرة ضرورة، وأما الظاهر عنها فغيرها ولم يثبت قط في لغة أن أسر من الأضداد، وقوله تعالى: {لما رأوا العذاب} أي وافوه وتيقنوا حصولهم فيه وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7